مقالة عن ظاهرة التنمر وتأثيرها النفسي على الفرد والمجتمع

يعتبر التنمر إحدى الظواهر الاجتماعية التي باتت متفشية في الكثير من المجتمعات. وبالرغم من الاهتمام الذي حظيت به هذه الظاهرة، إلا أنه حتى الآن لم يتم صياغة إلى تعريف محدد وشامل لها. ومع ذلك، تتفق الدراسات والبحوث النقسية والاجتماعية على مجموعة من النقاط لتعريف التنمر. فهو يُعد ظاهرة نفسية وسلوكية غير طبيعية، يمارسه شخص أو مجموعة من أشخاص آخرين. وغالبا ما تكون هذه الظاهرة شائعة بين طلبة المدارس على إختلاف مستوياتها ، ويُلاحظ أنها تتصف بالتكرار لأنها تحدث باستمرار، إضافة الى إرتباطها بعدم التوازن في القوة أو القدرات بين المتنمر والضحية. الباحث النرويجي دان أولويس كان قد عرّف التنمر بأنه تعرض شخص بشكل متكرر ومستمر إلى أفعال سلبية من طرف شخص أو أكثر. الفرد المتعرض للتنمر غالباً ما تظهر عليه علامات عديدة مثل العزلة المستمرة عن الأنشطة التي يفضلها، التراجع في الأداء سواء المدرسي أو الوظيفي، والإبتعاد عن الآخرين ، وقد يهمل شكله الخارجي ومظهره العام، ويبدو عليه الرغبة في الهروب من واقعه. إلى جانب ذلك، يعاني عادة من العصبية والغضب المستمرين، وآلام جسدية كوجع الرأس أو المعدة، وحالات القلق والخوف المبالغ فيها، بالإضافة إلى تقلبات في النوم وفقدان الشهية، التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إصابات جسدية مثل ظهور كدمات أو جروح نتيجة لإيذاء النفس. التنمر له أسباب متعددة قد تعود أساساً لظروف الفرد الأسرية، المادية، أو الاجتماعية، كما أن بعض المصابين بالأمراض العضوية أو بالعيوب الشكلية يكونون أكثر عرضة للتنمر أو يصبحون متنمرين بدورهم. هذه العوامل جميعاً تساهم في زعزعة شخصية الفرد وتقديره لذاته، وقد تدفعه نحو الوقوع في السلوكيات العدوانية والاكتئاب ومشاكل نفسية أخرى. أما عن الآثار السلبية للتنمر، فهي تترك بصماتها على المدى الطويل، فبجانب الأضرار النفسية مثل الميل إلى العزلة والانطوائية، فإن ضحايا التنمر قد يصابون بأضطرابات سلوكية تؤثر على صحتهم النفسية ، وبعضهم قد يتحول إلى متنمر بنفسه مع مرور الوقت أو يصبح شخصاً عدوانياً يظهر الغضب تجاه محيطه. الضحية أيضاً يلجأ لتجنب النشاطات الاجتماعية سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، مما يجعله أكثر انعزالاً وصمتاً ، في بعض الحالات الخطيرة قد تدفع آثار التنمر الضحية إلى التفكير بالانتحار واحساسه بغياب معنى الحياة . لذا، باتت أهمية التصدي لهذه الظاهرة واضحة ليس فقط لتقليل معاناتها الفردية وإنما لحماية المجتمع بأسره. لمواجهة هذه الظاهرة وتقليل آثارها السلبية، من الضروري تعزيز القيم الدينية والتقاليد الصحية بين الأفراد، بالإضافة إلى تشجيع الثقة بالنفس وتقوية الشخصية لدى الأطفال والكبار على حد سواء، ومن المهم تحسين العلاقات داخل الأسرة وتشجيع الحوار الإيجابي ولغة التسامح بين أفرادها وبين محيط الشخص البيئي ، فدور الأُسر لا يتوقف عند ذلك، بل يجب عليهم متابعة أبنائهم خاصة عند استخدامهم وسائل التواصل الإجتماعي لتجنب تأثرهم بالمحتويات السلبية ، ومن الجيد إستثمار وقت الفراغ في أنشطة تثقيفية وترفيهية مفيدة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع بشكل عام. كذلك، تتجلى أهمية دور المرشدين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس ومختلف المؤسسات التعليمية والجامعات لمعالجة السلوكيات السلبية للأفراد المتورطين في التنمر. أما المجتمع والمنظمات المدنية والدولة فعليها أن تطلق برامج توعية مستمرة لجميع الأعمار حول ماهية التنمر وأشكاله وسبل الوقاية منه والتعامل معه، وختاما فأن التصدي لظاهرة التنمر يبدأ من الأسرة ويُعزز بدور المجتمع لضمان بيئة صحية وامنة .
المدرس الدكتور عباس كرجي حسن
