نظرة تاريخية على انابيب الكاربون النانوية
نظرة تاريخية على انابيب الكاربون النانوية
يكاد لايخلو بحث من البحوث المنشورة او الكتب المؤلفة الا وكانت هذه المخطوطات تذكر العالم الياباني ليجيما على اساس انه اول من اطلق تسمية التراكيب الانبوبية على انابيب الكاربون النانوية من خلال البحثين المنشورين لعمله مع فريقه البحثي عام 1991 و 1992 في مجلة Nature. لكن هل ان الفضل لهذا الانجاز العلمي يعود الى ليجيما و فريقه البحثي ام ان هنالك بدايات سبقت هذه البداية وهل هذه البدايات كانت جريئة ولكن حيفاً اصابها ومنع ذكر اصحابها بحيث يكونوا في المقدمة ام ان تلك البدايات لم تكن بالمستوى المطلوب الذي يؤهلها للانتشار حتى تاخذ حجمها الحقيقي العادل. كل هذه التساؤلات سنحاول الاجابة عنها من خلال التفاصيل الاتية والتي وضعت في تسلسل تاريخي لظهورها من خلال الاعتماد على المصادر والوثائق المنشورة.
العام 1889 شهد ملاحظة اديسون لخيوط كاربونية ناتجة من اشتعال مادة عضوية وذلك في جامعة باريس. المادة العضوية كانت السيانوجين مررت على صفيحة ساخنة لدرجة الاحمرار من البورسلين. هذه الملاحظة يمكن ان تعتبر اول محاولة دونت فيها تكوين التراكيب الخطية الكاربونية والتي سميت فيما بعد بانابيب الكاربون النانوية. في تلك الحقبة الزمنية كان من المستحيل ان يشخص التركيب النانوي لعدم توفر التقنية القادرة على ذلك علما ان المتوفر في ذلك الوقت من المجهر الضوئي غير قادر على اعطاء صورة كافية لتحديد طبيعة التركيب وفي احسن الاحوال عدة مايكرومترات وهو يحتاج الى تكنولوجيا متقدمة تكون قادرة على اعطاء صور بمدى نانوي للتركيب المنتج. لذلك كان القرار المعلن لامكانية تواجد وتصنيع هذه التراكيب لازال في طور المجهول ولايزال بدون اثبات لوجودة لكن على العموم فان طبيعة العملية يمكن من خلالها الاستنتاج بان المحضر منها هو انابيب الكاربون النانوية متعددة الجدران.
بعدما يقارب الخمسين عام وتحديدا في العام 1939 نجحت شركة سيمنس من انتاج اول موديل لما يعرف الان بالمجهر الالكتروني النافذ والذي فتح افاق واسعة لدراسة ومحاولة فهم التركيب المادي وعلاقتة بالخصائص الفيزيائية والكيميائية وبالتحديد للكاربون النانوي. المحاولة الاولى المسجلة لتصوير التراكيب الانبوبية النانوية للكاربون كانت عام 1952 اي بعد ثلاثة عشر سنة من انتاج اول نموذج للمجهر الالكتروني النافذ من قبل الباحثين رودوسكوفيدج وليانوفيج من روسيا. قام الباحثان بنشر صور ماخوذة بالتقنية المذكورة سلفا للتراكيب الكاربونية الناتجة من امرار غاز اول اوكسيد الكاربون على سطح من الحديد بدجة 600 مئوي وذلك في مجلة الكيمياء الفيزيائية والتي كانت تصدر في عهد الاتحاد السوفيتي السابق. الصور الماخوذة بواسطة المجهر الالكتروني النافذ في ذلك الوقت بين وجود تركيب خيطي او انبوبي الشكل وبقطر يصل الى 50 نانوميتر وذلك عند امرار غاز اول اوكسيد الكاربون على سطح يحتوي على الحديد الذي يكون كاربيد الحديد اولا ثم يبداء بتكوين التراكيب الانبوبية. في العام 1953 قام العالمين الروسيين تسنر وايجستوف بنشر مقالة مفادها ان عملية احتراق الزيوت او الكحولات تكون دقائق كاربونية خلال عملية الاحتراق عند درجة 977 مئوي. وهنا نشير الى تجربة عملية شخصية حيث ان العديد من التجارب وبمختلف الظروف كل عملية احتراق ستسبب تكوين هذه التراكيب النانوية لكن نسبة تواجدها يعتمد على ظروف عملية البناء للتركيب.
هذه النتائج وغيرها مشابهة لها في هذا الشأن لم تجد لها قارئ او اذان صاغية لكون البحوث كانت تنشر في ذلك الوقت باللغة الروسية وفي فترة الحرب الباردة التي منعت من انتقالها الى مختبرات الدول المتقدمة مثل اوربا و الامريكيتين فضلا عن عامل اللغه. كل الدلائل تشير الى ان الروس هم اول من نجح في تحضير انابيب الكاربون النانوية لكن تاخر ظهور المجهر الالكتروني النافذ هو العامل الرئيسي الذي منع الاعلان عنة بصورة واضحة ومن دون اي ضبابية. تزامن في نفس العام المذكور ملاحظة ديفز وفريقة البحثي نمو ليف نانوي كاربوني عند امرار غاز احادي اوكسيد الكاربون على سطح من اوكسيد الحديديك عند 450 درجة مئوية في فرن مجهز لهذا الغرض. المنتج شخص باستخدام تقنيتي حيود الاشعة السينية ومطيافية التصوير الالكتروني المايكروي والتي بينت ان دقائق الحديد وكاربيد الحديد نجحت في العمل كسطوح لانماء انابيب الكاربون النانوية والتي تباينت في سمك جدرانها بين 10-200 نانوميتر. اما هوفر مع جموعة من الباحثين عام 1955 طبقات كاربونية سمكها 0.01 – 0.2 مايكروميتر تكونت من ترسيبها بدرجة 390 درجة مئوية وهي على الاغلب كانت تراكيب كريفنية. هيلرت ولانك بعد مرور ثلاث سنوات ذكروا تكون تركيبن الاول عبارة عن خيوط كريفنية مكونة من عدة طبقات والتي شخصت بتقنية حيود الالكترون اما الثاني فعبارة عن تراكيب كروية . في العام1973 عمل باكر في الترسيب الكيميائي للبخار باستخدام الاستلين على سطوح تحتوي على دقائق الحديد والكوبلت والكروم والتي كونت تراكيب خيطية كريفنية. بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا وبالتحديد في العام 1976 نجح اوبرلين وبالاشتراك مع مجموعة من الباحثين تمكنوا من تحضير الياف كاربونية متعددة الاشكال تحتوي على انابيب مجوفة وباقطار تتراوح من 20 الى مايقارب 500 انكستروم والتي كانت تشير في الغالب الى انابيب الكاربون متعددة الجدران. كل المحاولات التي ذكرت لم تاخذ الدقة التي تمكنها من توجية اهتمام الباحثين نحو التراكيب الانبوبية النانوية. البداية الحقيقية والتي زادت وانتشرت بعدها و بشكل مذهل كان في العام 1985 حيث نشر كروتوا ومجموعتة البحثية في مجلة Nature تراكيب عنقودية مكونة من ذرات الكاربون كروية الشكل عرفت بالفيولارين. اما العام 1991 فلقد شهد الاعلان الرسمي لولادة التراكيب الانبوبية النانوية عندما وثق ليجيما ان التفاعل الذي عملة فريق كروتوا انتج انابيب الكاربون وهو فعلا ما حصل عندما اعاد التجربة وتشخيص نواتجها من جديد. المفاجئة كانت عندما شخصت كرات الفيولارين عندما اجرى عملية التفريغ الكهربائي في جوا من غاز الاركون ومعها وجد العديد من الخيوط الكاربونية التي فحصت فكانت عبارة عن تراكيب انبوبية قسم منها مغلق من احد النهايات وقسم مفتوح من النهايتين. هذه النتيجة التي كانت كناتج عرضي لتجربة عملية البداية بالنسبة لليجيما الذي نجح في العام 1993 من شهر نيسان مع ايجي هاشي من تحضير انابيب الكاربون احادي الجدران من خلال التغييرفي ظروف عملية التفريغ الكهربائي لقطبين من الكرافيت. في نفس العام وبالدقة في 24 من شهر ايار نشر باثون وفريقة البحثي والذين كانوا يعملون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ثاني بحث شخص فية تراكيب الكاربون النانوية احادية الجدران. وهنا يجب الاشارة الى امر يثيرالانتباة وهو ان المحاولات في العصر الحديث والتي بينت سلفا كانت تهدف الى انتاج انابيب الكاربون النانوية متعددة الجدران من خلال استخددام الكرافيت وبوجود مجموعة من العوامل المساعدة المتمثلة بالعناصر الانتقالية . من خلال ما تقدم من عرض تاريخي لمراحل سبقت ليجيما يمكن ان يتبادر الى الذهن الى ان هنالك سؤ فهم او قلة المحاولات الجدية لمحاولة فهم هذه التراكيب وهو في الحقيقة بعد البحث والتقصي يمكن ان يعتبر نتيجة طبيعية لسبب منطقي وهو ان التراكيب الكاربونية الانبوبية كانت في الاساس تعتبر قديما احد العيوب الصناعية في صناعة وتركيب مختلف انواع المعادن ومن ضمنها الستيل وهي نفس الخيوط التي ظهرت حديثا في المفاعلات الذرية حيث كانت تسبب مشاكل لمنظومات التبريد والتي كانت تستخدم الكرافيت للسيطرة على التفاعل النووي فكان من الطبيعي ان تتولد نتيجة الحرارة العالية في حيز المفاعل. لذلك قد يكون ليجيما الاوفر حظاً في القرن الماضي وهذا لا يلغي دورة الفعال الذي ذكر في العديد من المصادر لكن من خلال الاطلاع على الحقائق ومعطيات الفترات الزمنية السابقة نعتقد ان الروس هم السباقين في انتاج هذه التراكيب بالصدفة او بالتدبير العلمي الموثق.
الاستاذ المساعد الدكتور فراس حبيب عبد الرزاق
جامعة ديالى- كلية التربية للعلوم الصرفة- قسم الكيمياء