تدريس القيم في الجامعة
تلعب القيم دورا اساسيا في تشكيل شخصية الإنسان وتوجيه سلوكه و تمثل معيارا لتصرفاته واختياراته في المواقف الحياتية ، وتعمل المؤسسات التربوية عامة والجامعة بالخصوص على بناء منظومة القيم لطلابها وتنميتها حيث تهدف التربية الحديثة الى بناء الإنسان تربية شاملة ، وبناء شخصيته المتكاملة من جميع النواحي:الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية .
ومن الملاحظ أن مجتمعنا العربي والإسلامي يمر بفترة حرجة تتسم باهتزاز القيم واضطراب المعايير القيمية والأخلاقية ، حيث كشفت الدراسات الخاصة بالمتغيرات النفسية والاجتماعية للشباب عن وجود اغتراب نفسي ، وخلل قيمي مخيف ، خاصة مع تنامي دور الإنترنت وعدم القدرة على ترشيد استهلاكه، والانبهار بالتطور التقني والتجاوب معه دون رصيد قيمي وسلوكي يضبط الحياة,وبينت أن مواقع التواصل استطاعت أن تحدث تغييرا في المجال القيمي الأخلاقي للشباب وكمثال على ذلك تفشي السلوكيات الغريبة الوافدة بين الشباب وانتشار القيم المادية وتراجع القيم الروحية واعتبار الثراء المادي هو المعيار الرئيس لقياس التحول الاجتماعي الذي جعل التناقس يدورحول امتلاك المساكن الفاخرة، والسيارات الفارهة ، وغيرها من المبتكرات التكنولوجية ، وتفشى الترف الزائف وضعف التنافس في المجالات المهمة للحياة كالجوانب العلمية والتطبيقية صاحب ذلك ضعف أو غياب برامج التربية الفاعلة والمؤثرة.
مفهوم القيم:
القيم هي " المعتقدات التي يؤمن بها الفرد، فتوجه سلوكياته في الحياة وجهة محددة وفقاً لمعطياتها، وتهبه عاطفة تعمل على تشكيل شخصيته، وتحديد هويته التي تميّزه عن غيره من الناس الآخرين "؛ لذلك فإن الإنسان الذي يتبنى قيمة الصدق مُثلاً، يميل لعمل كل ما يتسق معها من مواقف خيّرة، يدفعه إلى ذلك إيمان قلبي بفضلها وجدواها، ويقوده هذا الميل إلى أن ينهج سلوكاً نابعاً من مجموعة القيم الأخرى المتوافقة والمتسقة معها، كالعدل و الجمال و الشرف و الحرية و آداب الجوار وبر الوالدين و النصيحة و التسامح و التواضع و حسن الاستماع ، ويتحاشى ما عداها من ممارسات مخالفة لها.
أنواع القيم :
ان للقيم تصنيفات كثيرة منها القيم العلمية كاحترام العلم والبحث العلمي وتقدير مكانة العلماء والطموح العلمي واحترام العقل وأساليب استخدامه، والقيم الايمانية كالصبر والأمانة والصدق والاخلاص،والأخلاقية كتوازن الشخصية، وحسن التعامل ، واحترام الاخوة، والتفاءل والحياء واحترام الاخرين، والاجتماعية كاتقان العمل واحترام الوقت والكسب المشروع، والجمالية كمراعاة الذوق العام ، والبشاشة والتبسم ، والتواضع ، والاحترام، والبيئية كحماية البيئة والاهتمام بها .
أهمية القيم :
تعتبرالقيم مرجعا لضبط التصرفات والسلوك، وأحكاماً معيارية تعتمد لتقييم السلوك ، وتساهم في وقاية الفرد من الانحراف وحمايته من الوقوع في الخطأ، وتجعل المجتمع متماسكا قويا، لذلك حرص الإسلام على بناء مجتمع تسوده القيم السامية من بذل وتضحية وإيثار وحب وتعاون وصدق …إلخ. فلا تجد الغش والسخرية والتكبر والظلم وغيرها من القيم السلبية التي تسبب تفكك المجتمع وتدميره.
والقيم الإيجابية تؤدي إلى تعاون أفراد المجتمع لاشتراكهم في رسالة واحدة مستمدة من نبع واحد ،و توجه النشاطات الإنسانية إلى أهداف سامية بعيدا عن التدمير والأنانية والمصالح الشخصية.
الأسس التربوية والفكرية لتدريس القيم والاتجاهات:
تستند عملية تدريس القيم على مجموعة من الأسس والقواعد الراسخة التي يتم بعضها بعضاً، وأبرز هذه القواعد ما يأتي :
– بناء شخصية الطالب بناءً متكاملاً من جميع جوانبها المعرفية والمهارية والوجدانية والاجتماعية، بحيث تتكاتف المعارف والقيم لديه ، فتمكنه من اتخاذ مواقف إيجابية في مختلف المواقف.
– تزويده بالقدرات والمهارات التي تؤهله لمحاربة مواطن الفساد، وطرح البدائل الصالحة.
– تخطيط الأنشطة اللازمة لتزويد المتعلمين بالقيم التي يحتاجون إليها وتدريبهم على ممارستها عملياً.
– تعريف المتعلم بدوره في بناء وطنه وتطويره وفق منهجية علمية وعلى أسس سليمة وراسخة.
طرائق تدريس القيم :
إن تدريس القيم يختلف عن تدريس المعارف والمهارات فلكل منها طرائقه وخطواته وأساليبه المناسبة ، وقد راينا كثيرمن المعلمين والمعلمات قد انصرفوا إلى تلقين القيم دون ترجمتها إلى سلوك ممارس ؛ بل ربما خالف المعلم بسلوكه ما يدعو إليه داخل قاعة الدرس ؛ مما يحدث ازدواجية لدى الطالب حين يسمع المعلم يحث طلابه مثلاً على قيمة السلام ثم يدخل الصف دون أن يسلم ، أو يحثهم على النظافة ثم يشاهدونه يرمي المهملات خارج السلة المخصصة لذلك … وهكذا يتأثر الطالب بالممارسات اليومية أكثر من تأثره بالتوجيه المباشر ، وعليه فللقيم طرائق وأساليب خاصة بتدريسها , تقوم على الاقناع واتخاذ القدوة الحسنة وبالقوانين والتشريعات الرسمية ومن خلال وسائل الاعلام والمؤسسات الدينية وغيرها ، و تدريسها بالأسلوب المناسب لها يسهم في تطوير التعليم بمختلف التخصصات في جميع المراحل الدراسية فهي لا تعنى بتخصص معين أو مرحلة دون أخرى .
وسنقوم باستعراض بعض طرائق تدريس القيم ، وقد تم تضمينها ضمن معيار الفاعلية التي يتحدد في ضوئها دور كل من الاستاذ في الموقف التعليمي ، وبناء على هذا المعيار تصنف طرائق تدريس القيم إلى ثلاثة أنواع هي :
أ – الطرائق العرضية : التي تركز على دور الاستاذ حيث يعرض الموضوعات القيمية على الطلبة بصورة مباشرة كطرائق: القدوة والقصة ، والالقاء .
ب- الطرائق التفاعلية : التي تركز على تفاعل الطلبة بصورة واضحة في الموقف التعليمي و المشاركة الفاعلة مع الاستاذ والمادة الدراسية ، وتضمنت طريقتي الحوار أوالمناقشة وتمثيل الأدوار .
ج- الطرائق الكشفية : وهي الطرائق التي تدفع الطلبة إلى البحث ، والاكتشاف ، وتقصي المعرفة والتعلم الذاتي ، وتضمنت طرائق حل المشكلات ، والتدريس الاستقصائي ، وطريقة المشروع.
المنهج الخفي :
وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الخبرات والمعارف والمهارات يتم اكتسابها دون تخطيط او اعداد تمثل ما يتلقاه الطلبة من الاساتذة ومن سير الدوام ومجمل الظروف التي يواجهونها اثناء دراستهم دون اعداد وتخطيط مسبق ، وهذا المنهج يلعب دورا اساسيا كذلك في البناء القيمي وبناء الشخصية جنبا الى جنب مع المنهج المعروف المعد له والمخطط له ، فكل ما يواجهه الطلبة داخل الجامعة وخارجها تمثل عوامل اقناع وتأثير، مما يحمل الجميع ومنهم التدريسي مسؤولية أن يكون قدوة علمية وثقافية ودينية لطلابه ليكون تاثيره واضحا وفاعلا فيعمل على تشجيع التعلم التعاوني ، ومساعدة الطلاب على التفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات ، ومساعدتهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم بجو من الأمان، وذلك من افضل طرائق تدريس القيم واختيارها بقناعة عن طريق الحوار بين التدريسي وطلابه أو بين الطلبة أنفسهم .
خلاصة :
ان المجتمعات التي تمتلك القيم الفاضلة والهوية الراسخة هي التي يكون لها مكان في هذا العصر وان الدول المتقدمة تولي القيم والمبادئ أهمية قصوى وتخص الشباب فيه بهذه الأهمية من اجل أن تحافظ على تقدمها، وإن تربية النشء على القيم الفاضلة هي مدخل التعليم وأساسه ، وان المبادئ الإسلامية كفيلة بتربية جيل قوي يقف على قاعدة صلبة لا يتأثر بالمتغيرات السلبية، ويتفاعل مع المتغيرات الإيجابية ويستفيد منها، ويفيد مجتمعه
م.د. ماجد أيوب القيسي
قسم الحاسوب